السبت 18 شوّال 1445 هـ الموافق 27 أبريل 2024 م
عمار بن ياسر
الأربعاء 20 ربيع الآخر 1438 هـ الموافق 18 يناير 2017 م
عدد الزيارات :

 

عمار بن ياسر


"صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة"
سأحدِّثُكُمُ اليومَ عن صحابيٍّ جليلٍ، كان من السّابقين إلى الإسلامِ، شهدَ عهدَ النّبوّةِ وعهدَ الخلفاءِ الراشدينَ، وكانَ من أواخرِ من ماتَ من كبارِ الصّحابة. فالحديثُ عن هذا الصحابيّ سيجسّدُ لنا عهدَ الصّحابةِ الكرامِ ، بما تفرّد بِهِ من صبرٍ و مصابرةٍ وعطاءٍ وإخلاصٍ.
بعدَ أن جهرَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم بدعوتِهِ بدأت مرحلةُ المواجهةِ التي تأذى فيها ضعفاءُ المسلمينَ، وكانَت منهُم أسرةٌ مسلمةٌ عُرفت بآلِ ياسر، التي تعود إلى أصلٍ يماني، انتقلت إلى مكّة وعاشت في جوارِ بني مخزوم.
ففي عامِ الفيلِ وضعت سميّة مولودها (عمار)، وعندما بلغ عمّار ٤٠ سنة أسلمَ وهو موقنٌ أنَّ هذا الدِّينَ الجديدَ سيقفُ في وجهِ ضلالِ قريشٍ وجهلها، أسلمَ مع أنه يعلمُ أنَّ الإسلامَ يعني إعلانَ الحربِ على قريشٍ بأسرها، ثمّ أسلم والداه.
وعندما علم بنو مخزوم بإسلامِ تلك العائلةِ -وكان أبو جهلٍ آنذاك سيدَ بني مخزوم- تولّى أبو جهلٍ بنفسهِ تعذيبَ هذهِ العائلةِ، فكانَ يأمرُ بإخراجِ عمّار وأبيه وأمّه عند اشتدادِ الحرّ على الرّمالِ المشتعلةِ المليئةِ بالحصى ويعذبهم أسوءَ العذابِ. وكان يمرُّ بهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم، ويرى حالَهم وهو لا يملك أن يساعدَهم أو ينقذَهم، فينظر إليهم بكلِّ رفقٍ وألمٍ وشفقةٍ قائلًا: (( صبرًا آل ياسر ، فإنّ موعدكُمُ الجنّة )). وتصبرُ هذهِ العائلةُ إلى أن يرتقي ياسر – رضي الله تعالى عنه- ويلقى الله ليكون أوّلَ شهيدٍ في الإسلامِ، وبعد زمنٍ قليلٍ لحقت به زوجهُ الصّالِحةُ سميّة -رضي الله تعالى عنها- بعد أن طعنها أبوجهلٍ بحربةٍ كانت في يده فلقيت الله أوّلَ شهيدةٍ في الإسلام .
وبقي عمّار يعاني أصنافَ العذابِ والأسى إلى أن أَذِنَ له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقولَ كلمة الكفرِ عندما أجبره معذبوه على قولها حتى يكفوا عنه العذاب ولا يزيدوا عليه التعذيب. وطمأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا حرج عليه طالما أنّه مكرهٌ ومجبرٌ إكراهًا وإجبارًا شديدين، وقلبُه مطمئنٌ بالإيمان.
ثمّ هاجرَ عمّار إلى الحبشةِ مع من هاجر، وانتقل فيما بعد إلى المدينة. شهد كل المشاهدِ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولم يتخلّف عن أيّ منها.
كان عمار أحد الجنود الذين حاربوا المرتدّين في عهد الخليفةِ أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه-، فاعتلى هناك صخرةً، وجعل يصيح : " يا معشرَ المسلمين أَمِنَ الجنّة تفرّون ؟ أنا عمار بن ياسر، هلمّوا إلي " فالتفت حولَهُ كوكبةٌ من فرسانِ المسلمينِ وانطلقوا يقاتلونَ أعداءَ الله حتى قُطِعَت أُذُنُ عمار وأخذت دماؤه تسيلُ على عنقِهِ وثيابِهِ وهو ماضٍ في القتالِ بشجاعةٍ وإقدامٍ .
وشهدَ معركةَ القادسيّة، وحاربَ الفرسَ في العراقِ في عهدِ عمر الفاروق -رضي الله تعالى عنه-، ثمّ ولّاه عمر بن الخطّاب –رضي الله تعالى عنه- إمارة الكوفة. وقالَ أحد معاصريه : " لقد شهدتُ عمّار بن ياسر وهو أميرُ الكوفةِ، يشتري حاجتَهُ بنفسهِ من السّوق، ثم يربطها بحبلٍ ويحملها فوق ظهرهِ، ويمضي بها إلى دارِه ".
وأمّا يومُ مصرعِ هذا العملاقِ المؤمنِ ، فقد كان يوماً مشهوداً من أيّامِ الإسلامِ ، فكان على أرض صفّين يقاتِلُ مع جيش علي بن أبي طالبٍ -رضي الله تعالى عنه-، وكان عمره يومها قد جاوز التّسعين، فاستسقى، فأتوا له بشربةِ لبنٍ فشربها ثمّ قال : " الحمدُ لله أنّ الجنّة تحت ظلال السّيوف ، اليوم ألقى الأحبة محمدًا وصحبه ". ثمّ قاتل حتى قُتِلَ رضيَ الله عنهُ وأرضاهُ  .
قال تعالى: ((من المؤمنينَ رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليهِ فمنهم من قضى نحبَهُ ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا )).