الأحد 29 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 1 ديسمبر 2024 م
امرأة في القرآن ... حمالة الحطب
السبت 19 ربيع الأول 1436 هـ الموافق 10 يناير 2015 م
عدد الزيارات : 16132


لقد تضمّن القرآن الكريم العديد من القصص التي تناولت أخبار نساء صالحات وأخريات أضلهنّ الشيطان، فكانت النتيجة أن أهلكهن الكفر... فكنّ بعد ذلك أمثلة تُضرب على مرّ التاريخ للدِّلالة على أنّ عاقبة الكفر والصدّ عن سبيل الله وخيمة؛ وهي الخِزي والتحقير والمهانة في الدنيا، والخلود الأبدي في النار يوم القيامة...

 

ومن هذه النماذج امرأة قال الله سبحانه وتعالى فيها في سورة المسد: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}، فمن هذه المرأة؟

هي أروى بنت حرب ابن أمية أخت أبي سفيان بن حرب، ولقد عرفت بكونها عوراء وكنيتها "أم جميل" وهي زوجة عدوّ الله أبي لهب وشريكته في الحملة الشرسة التي استهدفت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي لم تتوانَ فيها "أم جميل" عن استخدام كل الوسائل الممكنة للتنفيث عن حقدها الدفين وبُغضها للإسلام والمسلمين؛ لذلك يمكننا القول: إنّ شخصيتها يمكن أن يستمدّ منها الدروس والعِبَر التي يجب أن تستفيد منها كل امرأة لا سيما نساء اليوم حتى لا يكون حالهنّ ومصيرهن شبيهًا بحال ومصير أم جميل التي بسبب نفورها من الإسلام وإعراضها عن كتاب الله أضحت:

  •  مثالًا للمرأة التي تعين زوجها على سلوك طريق الكفر والشرّ والمعصية ولا تعينه على اتِّباع طريق الهداية والإيمان، فكانت بذلك بعيدة كل البعد عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة).
  • فهي كانت شرّ متاع لأبي لهب لأنّها دومًا تقف وراءه تعاونه وتحرّضه وتدفعه إلى الاعتداء على المسلمين وإيذائهم والتصدي لدعوة محمد صلى الله عليه وسلم. ولكونها شريكته في الأذى والشرّ والكفر في الدنيا، فقد استحقّت أن تكون قرينته في العذاب يوم القيامة.
  •  أم جميل نموذجًا للجارة السيئة التي أعماها الحقد وأطغاها الكفر فانعكس بذاءةً في لسانها وسوءً في سلوكها وأخلاقها، ويتجلّى ذلك في العديد من المواقف التي تعرّضت فيها أم جميل للرسول صلى الله عليه وسلم والتي لم تراعي فيها حقوق القرابة والجوار، فهي لم تتوانَ عن هَجْوه صلى الله عليه وسلم عندما نزلت فيها وبزوجها سورة المسد؛ فقالت: مذمّمًا عصينا        وأمره أبينا             ودينه قَلينا
  • ولم تتورع أيضًا عن رمي الأشواك ونثرها في طريقه... ولا عجب في ذلك لأنّها كانت بعيدة عن هَدْي الإسلام وتعاليمه التي تدعو إلى صلة الأرحام وإلى حسن معاملة الجار والرِّفق به والابتعاد عن الفُحش في الكلام.
  •  امرأة أبي لهب مثال للحماة السيئة، فهي لم تتورع عن الضغط على ولديها (عُتْبة وعُتيبة) من أجل تطليق ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم – أم كلثوم ورقية – حتى قادها إصرارها وعنادها على الأذى والشرّ إلى القول لهما: (رأسي برأسيكما حرام إن لم تطلقا ابنتي محمد) وذلك إرضاءً لرغبتها الخسيسة الدنيئة التي هدفت من ورائها إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم وإدخال الحزن إلى قلبه الشريف دون أن تكترث أنّها بهذا العمل أدّت إلى تشتيت أسرة وخراب بيت.
  •  إنّ البيت الذي لا يقوم على طاعة الله عز وجل، والالتزام بأوامره ونواهيه، من الطبيعي أن يخرّج أبناء مفطورين على حبّ المعصية، وعندها ستكون العاقبة وخيمة لأنّ سوء التربية تؤدي إلى المهالك. وهذا ما حصل مع "أم جميل" التي حرّضت أحد أبنائها على أذية الرسول صلى الله عليه وسلم فكان مصيره الموت على الكفر والضلال... تروي كتب السيرة أنّ عُتبة أراد الخروج إلى الشام، فقال: لآتين محمدًا فلأُذينه فأتاه، فقال: يا محمد أنا كافر بالنجم إذا هوى وبالذي دنا فتدلى، ثمّ تفل في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وردّ عليه ابنته وطلّقها، فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم عليه فقال: اللهمّ سلّط عليه كلبًا من كلابك فتحقّق دعاء الني صلى الله عليه وسلم فقتلته إحدى السباع، فصدق قول الله تعالى: {وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ}.
  •  أم جميل نموذج للمرأة المتكبّرة المغرورة المعتدة بحسبها ونسبها وثرائها فهي لم تتردد لحظة واحدة عن استخدام أموالها ومجوهراتها للتصدِّي لدين الله عزوجل يقول سعيد بن المسيِّب: كان لها قلادة فاخرة فقالت: لأُنفقنها في عداوة محمد... لذلك جزاها الله تعالى حبلًا في جيدها من مسد جهنم لأنّ الجزاء من جنس العمل.


ختامًا نشير إلى أنّ سورة المسد غنية بالدلالات والرموز فهي تصور الحرب الإعلامية - وإن كانت مصغرة - حيث كانت تشن في ذلك الوقت لطمس صوت الحقّ وتشويه الحقائق؛ فأبو لهب كان يتتبّع الرسول صلى الله عليه وسلم في مواسم الحجّ وفي الأسواق لكي يجهض دعوته إلى (لا إله إلا الله)، فكان يقول للناس: لا تصدِّقوه إنّه صابىء كاذب، تسانده زوجته التي كانت تستغل أي فرصة للنيل من الرسول صلى الله عليه وسلم سواء بالسباب أو الهجاء لاسيما وأنّ الشعر في ذلك الوقت كان الوسيلة الإعلامية الأكثر رواجًا... فهذه الحرب الإعلامية تزامنت مع الحرب الجسدية – أذية الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه- والحرب النفسية – تطليق ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم – والتي حُشدت لها الطاقات وتوحّدت من أجلها الجهود وأُنفقت في سبيلها الأموال. وها هو التاريخ يُعيد نفسه اليوم وإن اختلفت الأسماء والأمكنة والأزمنة.
في هذه السورة تحذير صارخ ووعد ووعيد لأبي لهب وامرأته ولكلّ من تسوّل نفسه الكيد لدعوة الله ورسوله لأنّ كل من يتجرأ على ذلك فقد باء بغضبٍ من الله تعالى وحربٍ منه في الدنيا، والخلود الأبدي في النار يوم القيامة؛ لذلك صدق قول الله تعالى في أم جميل وغيرها:
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}.