السؤال:
يلجأ عددٌ مِن السّورين الذين دفعتهم ظروفُ الحرب إلى الخروج مِن سورية للسّفر إلى بلاد غربية، لما يجدونه مِن تسهيلاتٍ في المعيشة، وفرص الحصول على عملٍ، وربما يهدف بعضُهم إلى الحصولِ على إقامةٍ دائمةٍ، أو جنسية بعد صعوبات استخراج جوازاتهم مِن سفارات النظام،وقد يكون ذلك رغبةً في تأمين حياة مستقرةٍ،فما حكم ذلك؟ أفيدونا بارك الله فيكم.
الجواب:
الحمدُ لله، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ الله، أمّا بعدُ:
فالأصلُ في السّفرِ والانتقالِ مِن بلاد الشّام إلى البلاد غير الإسلامية في الظّروف الحالية هو: المنع، ويُستثنى مِن ذلك المضطرُّ الذي لا يجد بلدًا مِن بلاد المسلمين يعيشُ فيها، فيجوز له الانتقالُ للعيش في بلاد الكفارِ على أنْ ينتقلَ منها متى ارتفعت ضرورتُه، وكذلك التجنّسُ بجنسيةِ الدُّولِ غير الإسلامية لا يجوز إلا لمن اضطر إلى ذلك، وبيانُ ذلك في النّقاط التّالية:
أولاً: الواجبُ على المسلم المضطر للخروج مِن بلده: البحثُ عن بلادٍ إسلاميةٍ يأمن فيها على دينه ونفسه وماله ، ويختار مِن هذه البلاد أسلمَها لدينه، وأحفظَها لعرضه .
قال تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: 100].
قال الطبري في "تفسيره": " ومن يُفارق أرضَ الشرك وأهلَها هربًا بدينه منها ومنهم، إلى أرض الإسلام وأهلها المؤمنين ... يجد هذا المهاجر في سبيل الله مهربًا ونجاةً، ورحابًا فسيحة ".(بتصرف يسير).
وقد جاء في حديث توبة قاتل المئة نفسٍ: (انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ) متفق عليه، واللفظ لمسلم.
ولا شكّ أنَّ العيشَ في بلاد المسلمين له أثرٌ ظاهرٌ على الإنسان في طاعته وعبادته، وتربية أبنائه.
ويجتنب المسلمُ السّفرَ، والهجرة إلى البلاد التي ينتشر فيها الكفرُ، ويكثر فيها الفسادُ والفتنُ - بلاد الغرب– لما في ذلك مِن مخاطرَ كثيرةٍ، منها:
1- الفتنةُ في الدّين بسبب حال تلك المجتمعات مِن الفساد الدّيني، والانحلال الخُلُقي في مختلف مجالاتِ الحياةِ، والأماكنِ الخاصة والعامة، ووسائلِ الإعلامِ وغيرها.
2- الخشيةُ على مستقبل الأبناء؛ لنشأتهم في مجتمعٍ لا يراعي الدّينَ والأخلاق في المدارسِ، وأنظمة التّعليم، وجميع مرافق المجتمع، مما يُنذر بخطرِ انحرافهم، وربّما انسلاخهم من الدين بالكلية.
3- ما تحويه قوانينُ تلك البلدانِ مِن أحكام مخالفةٍ للشريعةِ تُخل بقيام الرجل على أسرته، وتتيح للدولة انتزاعَ الولاية على الزوجة والأبناء، وتوكِلُ أمرَ رعايتهم وتربيتهم لأُسرٍ أو مؤسسات.
5-عدمُ القدرة على القيام ببعضِ شعائرِ الإسلامِ في بعض تلك البلاد.
6- خطرُ الافتتان بالكفار، أو الوقوع في محبتهم، أو الرِّضى بدينهم، أو منكراتهم، أو موالاتهم، وإعانتِهم على المسلمين؛ بسبب طول المعاشرة، وكثرة المخالطة.
ثانيًا : يختلف حكمُ الإقامة في بلاد الكفر بحسب أحوال الإنسان، والظروف المحيطة به:
1- لا تجوز الإقامةُ في تلك البلادِ، واللجوءُ إليها إذا خشي المسلمُ الفتنةَ في دينه، سواء كان ذلك مِن قبيل الشُّبهات، أو الشَّهوات، أو كان مستضعَفًا لا يتمكّن مِن إقامةِ الشّعائرِ الإسلاميةِ، أو لا يأمنُ على نفسِه، أو مالِه، أو عِرضِه؛ لأنَّ اللهَ تبارك وتعالى توعّد الذين يتركون الهجرةَ مِن بلاد الكفر إلى دار الإسلام، وهم على هذه الحال، فكيف بمن هاجر إليها؟! قال سبحانه: {إنّ الذين توفّاهمُ الملائكةُ ظالمي أنفسِهمْ قالوا فيمَ كُنتم قالوا كنّا مستضعفينَ في الأرضِ قالوا ألم تكنْ أرضُ اللهِ واسِعةً فتُهاجروا فيها فأولئك مَأواهُم جَهنَّمُ وساءتْ مَصيراً} [النساء: 98].
قال ابنُ كثيرٍ في "تفسيره": "هذه الآيةُ الكريمةُ عامّةٌ في كلِّ مَن أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادرٌ على الهجرةِ، وليس متمكّنًا مِن إقامةِ الدّين، فهو ظالمٌ لنفسِه، مرتكبٌ حرامًا بالإجماع، وبنصِّ هذه الآية".
وقال النّووي في روضة الطالبين: "المسلمُ إنْ كان ضعيفًا في دار الكفر لا يقدِرُ على إظهار الدّين، حرُمَ عليه الإقامةُ هناك، وتجب عليه الهجرةُ إلى دار الإسلام".
وقد بايع النبي -صلى الله عليه وسلم- عددًا مِن الصحابة على الإسلام، واشترط عليهم عدمَ الإقامة بين المشركين، ففي حديث بَهْزَ بنِ حَكيمٍ، عن أبيه، عن جَدّه : أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال له: (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مُشْرِكٍ بَعْدَمَا أَسْلَمَ عَمَلًا، أَوْ يُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ) رواه النسائي، وابن ماجه.
قال ابنُ حجر في "فتح الباري" عن هذا الحديث وما جاء في معناه مِن الأحاديث: "وهذا محمولٌ على مَن لم يأمن على دينه".
2- يجوز السّفرُ إلى بلادِ الكفرِ الآمنةِ للمضطرِ إذا لم يجد بلدًا مسلمًا آمنًا يقيم فيه، أو يلجأ إليه، ويتقي الله في دينه ما استطاع، كما هاجر المسلمون المستضعفون إلى بلاد الحبشة؛ لأنّ فيها ملِكًا عادلاً، لا يُظلم عنده أحدٌ، وتقييدُه بالمضطر؛ لما سبقت الإشارةُ إليه مِن المفاسد الكثيرة في الإقامة بينهم، التي إن سلم مِن بعضها فلا يسلم مِن بعضها الآخر.
قال ابنُ حزمٍ في "المحلى": "وأمّا مَن فرّ إلى أرض الحربِ؛ لظلمٍ خافه، ولم يحارب المسلمينَ، ولا أعانهم عليهم، ولم يجدْ في المسلمين مَن يُجيره، فهذا لا شيءَ عليه؛ لأنه مضطرٌ مُكرَهٌ".
ومما يلحق بالضّرورة، أو الحاجة التي تنزّلُ منزلتَها في الظّروف الحالية عدمُ القدرة على الوصول إلى بلادٍ إسلامية، أو عدمُ سماحها له بالإقامة فيها، أو الحاجةُ إلى علاج لا يتوفر إلا فيها، ونحو ذلك، ويسعى جُهدَه في حفظ نفسِه، ومَن ولاه الله أمرَهم.
ومَن سافر إلى تلك البلاد مضطرًا فعليه أنْ ينويَ الرّجوعَ والانتقالَ لإحدى البلاد الإسلامية متى زالت الضرورةُ، وقدَر على ذلك.
ولا ينبغي للمسلم أنْ يتساهلَ في الإقامة بين الكفّار لغير ضرورة، كفضول التكسُّب، أو الترفُّه في المعيشة، بل يصبر نفسَه مع المسلمين، ويحتسب ذلك عند الله تعالى؛ صونًا لدينه وذريته، ولا يعرّض نفسَه للبلاء والفتن.
ثالثًا: ويتأكّد المنعُ في حال اللاجئين السّوريين إذا نُظر إلى ما يكتنف هذا اللجوءَ والإقامةَ مِن مخاطرَ عظيمةٍ، ومفاسدَ كثيرةٍ، ومنها:
- عدمُ أمن الطرق، وغلبةُ احتمال الهلاك، كما في السّفر بالزوارق البحرية عن طريقِ التّهريب.
+- التكاليفُ المادّية الباهظة، وما يصاحبُ ذلك مِن احتيالٍ، وتزويرٍ يتحمّل المسافرُ تبعتَه عند اكتشافِه.
- فَقْدُ البلادِ الشّاميّةِ فلذاتِ أكبادِها، وخيرةَ أبنائها، وهجرةُ نُخَبِها، وأصحابِ العقول فيها وهي أحوجُ ما تكون إليهم؛ ليرابطوا على ثغورِها في مختلف المجالات العسكرية، والإغاثية، والإعلامية، والتربوية ، وغيرها.
- مساعدةُ النّظامِ في تحقيقِ أطماعِه في تهجير أهلِ السّنة، وتفريغِهم مِن مناطقِهم واستبدالهم، وصولًا إلى تغيير تركيبة السُّكّانِ في البلادِ.
رابعًا: في التجنس قدرٌ زائد على مجرد الإقامة بالخضوع والتبعية للدّولة صاحبة الجنسية، والتّعهد بالحفاظ على نُظمِها السّياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والاستعدادَ للدِّفاعِ عنها، وقد يؤدي للولاء لها، ومسألةُ التّجنُّس مِن النوازل التي اختلفت فيها أنظارُ المفتين بحسب الأحوال والصّور.
والذي يترجح: تحريمُ التجنّسُ بجنسية الدُّولِ غيرِ الإسلاميّةِ، إلا في حال الضّرورة، كمَن فقد جنسيتَه بسبب الاضطهاد في بلده، أو ضُيِّق عليه بسببِها، أو عجَز عن استخراج الأوراق الثبوتية اللازمة، ولم يستطع أنْ يحصل على جنسية بلدٍ مِن بلاد المسلمين.
قال الشيخ علي الطنطاوي في "فتاواه": "ومِن الممنوعِ على المسلم أنْ يأخذَ جنسيةَ دولةٍ غير مسلمةٍ؛ لأنه يكون حينئذٍ ملتزمًا بإطاعةِ أوامرِها، واتّباع قوانينِها، بحيثُ لا يجوزُ له مخالفتُها، أو الخروجُ عليها، إلا إذا اضطُرّ إلى ذلك اضطراراً، ولم يعمل ما ينافي شرعَ الله".
وقال الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الشيخ محمد الحبيب ابن خوجة في بحثه المنشور في مجلة المجمع الفقهي:
"التجنُّسُ بالجنسياتِ غيرِ المسلمةِ سواءً كانت أمريكيةً، أو أوربيةً، أو غيرها، قد تكونُ جائزةً إذا دعت الضرورة إليه، لا حبًا للتشبهِ بأهلِ الكفرِ والتَّسمي بأسمائِهم، أو الاتصافِ بصفاتهم، بشرطِ أن لا يؤديَ هذا التَّجنُّس إلى تعطيلِ أو نقصِ شيءٍ من أمورِ دينه، أو يَجُرُّه إلى موالاةِ أعداءِ الله، وإلا فلا، قال تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} إلخ الآية".
أمّا إنْ كان التّجنُّس يتضمن موالاةً تامّةً للكافرين، أو الرّضى عن دينِهم، أو تفضيلَ القوانينِ الجاهليةِ على أحكام الشّريعة، أو الرضى بها: فهذا مِن الرّدّة، والعياذ بالله.
وأخيرًا:
ينبغي على مَن اضطُرَّ للخروج مِن سورية -وخاصّةً اللاجئين إلى بلادٍ أجنبيةٍ، أو بعيدة- الاستمرارُ في مناصرة إخوانهم في سورية، ودول اللجوء، بالإعانة المادّية المختلفة، والدَّعْم المعنوي: بالتواصُل والتثبيت والتّصبير، والمُشاركة في الفعاليات الدّعوية، والاجتماعية والسياسية وغيرها لنصرة الشعب المجاهد، وبذل المستطاع للتواصل مع المفكِّرين والكُتَّاب والصحفيِّين، مِن أجل إبراز القضيَّة للنَّاس في البلد الذي يعيشون فيه، والحِرص على فضح أكاذيب النِّظام، ونشر جرائمه، وبذل الجهدِ في توعية النَّاس بهذه القضيَّة العادلة.
نسأل اللهَ سبحانه أنْ يصلحَ أحوال المسلمين عموماً، وأهلِ الشام خصوصاً، وأن يعجّلَ فرجَهم، وينفّسَ كربتَهم، وينصرَهم على عدوِّهم، ويردّ المهجّرين منهم إلى ديارهم سالمين.
والحمد لله رب العالمين.
لتحميل نسخة التصفح والقراءة اضغط هنا
لتحميل نسخة الطباعة اضغط هنا

الأخ وسام من سوريا بين حكم الشرع والفتوى علاقة قوية، وارتباط كبير. فحكم الله تعالى هو ما ورد في نصوص الشرع من قرآن وسنة. أما الفتوى: فهي اجتهاد أهل العلم في تنزيل الحكم الشرعي على الحوادث والوقائع، وتكون مبنية على العلم بالنصوص الشرعية وأحكامها. والفتوى أمرها خطير وعظيم، فلا يجوز لأي أحد أن يقتحهما دون علم وأهلية لذلك؛ لما تتطلبه من معرفة بالأدلة الشرعية، ومعانيها، والأحكام المتعلقة بها، مع علم بالواقع، قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُون}. وأهل العلم هم ورثة الأنبياء الذين أمر الناس بالرجوع إليهم في المدلهمات والخطوب، قال تعالى: {Tأسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}، وقال: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}، وقال صلى الله عليه وسلم: (وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم). فالواجب على المسلم إذا نزلت به نازلة أن يتوجه لأهل العلم ويسألهم ليكون على بينة من أمره ودينه. والله أعلم.الأخ أبو أسامة الحمصي أولاً : يصير الجهاد فرض عين على كل مسلم إذا هجم العدو على بقعة من بلاد المسلمين ، فيجب على أهل تلك البقعة دفعه وإزالته، فإن لم يستطيعوا وجب على من بقربهم وهكذا، حتى يعم الواجب جميع المسلمين .. فإذا جاهد بعض المسلمين ، وكان عددهم كافياً لملاقاة العدو، سقط الإثم عن الباقين، قال عز وجل: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة..). قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: "إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار، أو بحلوله بالعقر، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافا وثقالا، شبابا وشيوخا، كل على قدر طاقته... فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة... وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج إليهم...". ويتعين الجهاد على كل فرد في حالاتٍ، من أهمها: 1- أن يقتحم العدو بلدة أو مكانًا ما، فيدافع أهلها عنها. 2- عجز بلدة أو منطقة عن مدافعة العدو، فيجب على من كان يحسن القتال أن يحمل السلاح لنصرة المجاهدين. 3- الحاجة إلى شخص بعينه، لخبرة، أو مكانة، أو قدرة قتالية، ونحو ذلك، فيجب عليه القتال بعينه. لكن لا يجب على كل الناس حمل السلاح والقتال. فإن لم يجب على الشخص حمل السلاح: وجب عليه الجهاد في مجالاتٍ أخرى، حسب قدرة كل شخص، ومجاله، فمجال الطلاب: تحصيل العلم النافع للأمة وإكمال الدراسة، ومجال طلبة العلم: تعليم الناس والمجاهدين والإجابة عن أسئلتهم واستفساراتهم، ونحو ذلك. كما أنه لابد من توفر بعض الشروط لمن أراد الجهاد وحمل السلاح، ومنها : القدرة على مؤنة الجهاد ، من تحصيل السلاح، ونفقة المجاهد وعياله وغيرها ، قال ابن قدامة في المغني : " وأما وجود النفقة، فيشترط؛ لقول الله تعالى {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله} ، ولأن الجهاد لا يمكن إلا بآلة، فيعتبر القدرة عليها. فإن كان الجهاد على مسافة لا تقصر فيها الصلاة، اشترط أن يكون واجدا للزاد ونفقة عائلته في مدة غيبته ، وسلاح يقاتل به ". هذا إضافة لوجوب موافقة الوالدان إن كانا بحاجته ، والسلامة من العجز ، وغيرها . ثانياً : المجاهدون هناك بحاجة إلى المال والخبرات ، إضافة للرجل المدرب القادر على استخدام السلاح ، والحاجة الأكبر في سوريا هي لتوفير ما يحتاجه المقاتلون من سلاح وتمويل، لا للمقاتلين، فهم متوفرون بأعداد كافية. كما أن العلم من ضروريات قيام الأمم ، والواجب الاستمرار في تحصيل العلوم سواء الشرعية أو التطبيقية ، مما تحتاجه الأمة ، فالحرب قد تطول ، والعلم إن لم يحصله شبابنا الآن فسنجد شعباً جاهلاً لا يستطيع تحمل أعباء بناء الأمة وتشييد صروح مجدها .. قال تعالى : (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) والله أعلم.الأخ أبو أسامة الحمصي، وفقه الله: أولا: ما دام أنّ الجهادَ لم يجب على الشّخص فله أنْ يتعلّم كلَّ علمٍ نافعٍ للمسلمين في أمورهم الدّينية، مِن تصحيح عقائدهم واستقامة عباداتهم، وتهذيب أخلاقهم، وفي حياتهم الدّنيوية لعمارة الأرض، وسدّ حاجات المجتمع في مختلف الجوانب، وإصلاح شؤون البلاد والعباد، وكلّما كان ذلك العلم أنفع للأمة في العاجل والآجل كان أولى، والسعي لتعلّمه أفضل، وقد جاء في الحديث : (أحبُّ النّاسِ إلى الله أنفعُهم للنّاس) رواه الطبراني . وليس كلُّ النّاس قادراً على الجهاد والقتال، أو تتوفر فيه الشّروط المذكورة سابقًا. أمّا النّيّةُ: فأمرُها عظيم، والاهتمام بها مهم، وينبغي للمسلم أنْ يقصدَ بكلّ أعماله مقصداً حسناً حتى يتحقّق له الأجرُ والثواب؛ لأنّ الأمورَ بمقاصدها، وفي الحديث المتّفق عليه : (إنّما الأعمال بالنّيات)، كما يتأكد للطلاب أنْ ينووا بدراستهم نفعَ الأمّة، ونصرةَ المسلمين والمجاهدين، ولكن لا يسوغ اتهامُ غالبية النّاس بسوء نيّتِهم، وفساد مقصدهم؛ فأحوالُ النّاس مختلفة، وأوضاعهم متعددة، وليست واحدة، فينبغي تعليمُ النّاس أمور دينهم، وبيان فضل الجهاد، وأحكامه، والحث عليه ، وترك تقدير أحوال النّاس إليهم . ثانيًا: مع تقديرنا لهذا الكلام، ومعرفتنا بصحّته في بعض الأحيان إلا أنّ المناطق والأحوال تختلف، والذي نعلمه مِن كلام عامّة قادة الكتائب أنفسهم أنّ الحاجة الكبرى التي تشترك فيها جميع المناطق هي المال الذي يمكن به شراء السلاح والعتاد، وتوفير النفقات والاحتياجات للمجاهدين الذين يضطر العديد منهم لترك القتال مِن أجل توفير أساسيات الحياة لأهله وذويه . ثالثًا: هذه الآية: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ليتفقّهوا في الدّينِ} مطلقة، فتشمل الجهادَ بأنواعه، إلا أنْ يتعيّن الجهادُ على الشّخص بنفسه، فلا بدّ له مِن النّفير حينئذٍ، كما أنّ جهادَ الدّفع لا يختلف عن جهاد الطّلب في حاجة المجاهدين لمن يفيتهم مِن العلماء وطلبة العلم في شؤون ومسائل القتال، ونوازل الجهاد، وفي حاجتهم كذلك للإغاثيين والأطباء وغيرهم ممّن لا يقوم الجهاد إلا بهم . والله أعلم