السؤال:
ينتشر بين بعض الكتائب، وفي المجالس، وعلى صفحات الشبكة بصورها المختلفة إطلاق القول بتكفير من يوالي الكفار، ومنهم من ينقل الإجماع على ذلك. فهل هذا الكلام صحيح؟
____________________________________
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسولِ الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فموالاة الكفار من الجرائم الكبيرة، وهي لفظ يطلق على شُعب متعددة، منها ما يصل للكفر، ومنها ما هو دون ذلك، وتفصيله كما يلي:
أولاً: تُطلقُ الموالاةُ والولاية في اللّغةِ وكلامِ أهل العلم على معانٍ عديدة، منها: القُرب، والدُّنوّ، والمحبة، والنُّصرة، والمتابعة، ويدلّ كلامُ أهلُ العلم على أنّ هذه الأفعال منشؤها المحبةُ والميلُ القلبي.
قال ابن تيمية –رحمه الله- في " الفتاوى": "أصلُ الموالاةِ هي المحبةُ، كما أنّ أصلَ المعاداةِ البغضُ، فإنَّ التّحابَّ يوجبُ التّقاربَ والاتّفاقَ، والتّباغض يوجب التّباعدَ والاختلافَ".
وينشأ عن الحب والبغض مِن أعمال القلوب والجوارح ما يدخلُ في حقيقة الموالاة والمعاداة، كالنُّصرة والمعاونة، والمظاهرة، وغير ذلك مِن الأعمال.
وقد حرّم الله موالاة الكافرين وزجر عنها، وجعلها سبباً لسخط الرحمن، فقال تعالى: {تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ} [المائدة:80].
ثانيًا: لا يصح التكفير بمطلق الموالاة، فمن صور الموالاة ما هو كفر مخرج من الملة بالاتفاق، ومنها ما لا يصل إلى درجة الكفر، ومنها ما اختلف فيه: هل يكون كفرًا أم لا.
وهذا التفريق جار على أصول أهل السنة، كما دلت على ذلك النصوص الشرعية، وفهم علماء الأمة.
ومن الصور التي تناولها أهل العلم في هذا الباب:
أ- اتفق أهلُ العلم على أنّ الموالاةَ التامة الكاملة للكفّار بالرّضى عن دينهم، أو تصحيح مذهبهم، أو حبِّ ظهورِ الكفر على الإسلام، ونحو ذلك، مِن موجبات الرّدة والخروج مِن الملة.
قال الإمام الطبري –رحمه الله- عند تفسيره لقوله تعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران:28]:" لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفارَ ظهراً وأنصاراً توالونهم على دينِهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلونهم على عوراتهم؛ فإنه مَن يفعل ذلك، فليس مِن الله في شيء، يعني بذلك: فقد برئ من الله، وبرئ الله منه بارتداده عن دينه، ودخوله في الكفر".
وقال الماوردي –رحمه الله- في "تفسيره": "والثاني: موالاتهم في الدّين فإنه منهم في حكم الكفر، وهذا قول ابن عباس".
وقال ابن الجوزي –رحمه الله- في "زاد المسير": "مَن يتولهم في الدّين، فإنه مِنهم في الكفر".
وقال الشّنقيطي –رحمه الله- في "أضواء البيان": "وَيُفْهَمُ مِن ظواهرِ هذِه الآياتِ أَنَّ مَنْ تَولّى الكُفّارَ عَمْدًا اختيارًا، رَغْبَةً فِيهم أَنَّهُ كافرٌ مِثْلُهُم".
ب- ذهب عامة العلماء إلى أنّ التجسسَ للكفّار على المسلمين مِن الكبائر والمعاصي التي لا تُخرج مِن الملة، مع أن الله سماه في كتابه موالاة بقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة:1].
وقد استدلوا لذلك بحديث حاطب رضي الله عنه - المتفق عليه- حينما كاتب قريشاً بمسير النّبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: (يا حاطبُ ما حملك على ما صنعتَ ؟)، فذكر حاطبُ -رضي الله عنه- أنه لم يفعله كفراً ولا ارتداداً عن الإسلام، وإنما فعله ليكون له يدٌ عندَ قريشٍ يدفعُ بها عن أهلِه، فقال النبي: (لقد صدقكم)، وفي لفظ: (ولا تقولوا له إلا خيراً) .
قال الإمام الشافعي –رحمه الله- في "الأم": "وليس الدِّلالةُ على عورةِ مُسلمٍ، ولا تأييدُ كافرٍ بِأَن يُحَذّرَ أَنَّ الْمُسلمينَ يُريدونَ مِنهُ غِرَّةً لِيحذرَها، أو يتقدَّمَ فِي نِكايةِ المسلمينَ بِكُفْرٍ بَيِّنٍ".
وقال ابنُ بطّال –رحمه الله- في "شرح البخاري": "وفيه: أنّ الجاسوس قد يكون مؤمنًا، وليس تجسسُه مما يُخرجه مِن الإيمان".
وذكر نحو هذا المعنى ابنُ حجر، والعيني، والقسطلاني -رحمهم الله- في شروحهم على البخاري.
وقال ابنُ العربي في "أحكام القرآن"، والقرطبي في "تفسيره": "مَنْ كَثُرَ تَطَلُّعُهُ على عَوراتِ المسلمينَ، ويُنَبِّهُ عليهِم، ويُعَرِّفُ عَدُوَّهُم بِأَخْبارِهِمْ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ كافِرًا إِذَا كَانَ فَعَلَهُ لِغَرَضٍ دُنيويّ، واعتقادُهُ على ذلكَ سَليمٌ، كَما فَعَلَ حاطِبٌ حِينَ قَصَدَ بِذلكَ اتِّخاذَ اليدِ، ولم ينو الرّدة عن الدّين".
وقال النّووي –رحمه الله- في "شرح مسلم": "وفيه أنّ الجاسوسَ وغيرَه مِن أصحاب الذّنوب الكبائر لا يكْفرون بذلك، وهذا الجنس كبيرةٌ قطعاً ؛ لأنه يتضمن إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم، وهو كبيرةٌ بلا شك".
وقال ابن تيمية –رحمه الله- في "الفتاوى": "وقد تحصلُ للرّجل موادتهم لرحمٍ أو حاجةٍ فتكون ذنباً ينقص به إيمانُه، ولا يكون به كافراً كما حصل مِن حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيه {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}".
وقال ابن القيم –رحمه الله- في "زاد المعاد" في فوائد قصة الفتح: "وفِيها: جَوازُ قَتْلِ الجاسوسِ وَإِنْ كانَ مُسْلِمًا.. وَفِيها: أَنَّ الكبيرَةَ العَظِيمَةَ مِمّا دُونَ الشِّرْكِ قَدْ تُكَفَّرُ بِالحسَنَةِ الكبيرةِ الماحيةِ، كما وَقَعَ الجَسُّ مِنْ حاطب مُكَفَّرًا بِشُهودِهِ بَدرًا".
ولا نعلمُ أحداً مِن أهل العلم نصَّ على كفرِ الجاسوس المسلم بمجرد الجسّ، بل نصّ الإمامُ الشافعي على أنّ الخلافَ في تكفيره غيرُ معتبر، فإنه بعدما بيّن أنّ التّجسسَ بأنواعِه ليس بكُفرٍ بيّنٍ سُئل: " أقلتَ هذا خبراً أم قياساً؟ قال: قلتُه بما لا يسع مسلماً عَلِمَه عندي أنْ يخالفَه بالسنّة المنصوصة بعد الاستدلال بالكتاب".
جـ - وقع الخلافُ بين أهل العلم في حكم مناصرة الكفار وإعانتهم في حربهم على المسلمين بالنّفس أو المال أو الرأي أو غير ذلك، إذا لم تكن موالاةً تامّةً، ولا حباً لدينهم، وذلك على اتجاهين:
الاتجاه الأول: أنَّ مجرد مناصرة الكفار على المسلمين مِن موجبات الردة والخروج من الملة؛ لأنّ ظاهر القرآن الكريم يدلّ على كفر مَن يبذل الموالاة للكافرين، بالأعمال الظاهرة مِن النصرة والإعانة والمظاهرة:
قال الطبري في تفسر قوله تعالى: {ومَنْ يَتَوَلَّهُم مِنْكُم فَإِنَّهُ مِنْهُم}:" فَإِنَّ مَن تَولَّاهُمْ ونَصرهُم عَلى المؤْمِنِينَ, فَهُوَ مِنْ أَهْلِ دِينِهم ومِلَّتِهِم ؛ فَإِنَّهُ لا يَتولّى مُتَوَلٍّ أَحَدًا إِلّا وَهُوَ بِهِ وَبِدينِهِ وما هُوَ عَلَيهِ راضٍ, وَإِذا رَضِيَهُ ورضيَ دِينهُ فَقَدْ عادَى ما خالَفَهُ وسخِطَهُ , وصارَ حُكمُهُ حُكمَهُ" .
وقال الجصّاص: "وَإِنْ كانَ الْخِطابُ لِلمُسْلِمِينَ فَهُوَ إخبارٌ بِأَنَّهُ كافرٌ مِثْلُهُم بِمُوالاتِهِ إيّاهُمْ".
وقال ابنُ حزم –رحمه الله- في "المحلى": "وَصَحَّ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} إنَّمَا هُوَ عَلى ظاهرِهِ بأَنَّهُ كافِرٌ مِن جُملَةِ الْكُفّارِ فَقَطْ - وهذا حَقٌّ لا يَختلفُ فِيه اثنانِ مِن المسلمينَ".
وقال العز بن عبد السلام –رحمه الله- في "تفسيره": "{فَإِنَّهُ مِنْهُم} مثلُهم في الكفر، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما".
وقال الشيخ أحمد شاكر –رحمه الله- في بيان حكم التعاون مع الإنجليز والفرنسيين أثناء عدوانهم على المسلمين: "أما التعاونُ مع الإنجليز, بأيّ نوعٍ مِن أنواع التّعاون , قلّ أو كثر , فهو الردّة الجامحة، والكفر الصّراح, لا يُقبل فيه اعتذارٌ, ولا ينفع معه تأوّل, ولا ينجي مِن حكمه عصبية حمقاء، ولا سياسة خرقاء, ولا مجاملة هي النفاق, سواء أكان ذلك من أفراد أو حكومات أو زعماء".
الاتجاه الثاني: أنّ موالاة الكفار ومعاونتَهم على المسلمين لا تكون كفراً بمجرد الفعل ما لم يصاحبها رضى بدينهم، أو تصحيح مذهبهم، أو حبُّ ظهورِ الكفر على الإسلام، ونحو ذلك.
قال السعدي –رحمه الله في تفسيره لقول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 9]: " إن الظّلم يكون بحسب التولي، فإن كان تولياً تاماً كان ذلك كفراً مخرجاً عن الإسلام، وتحت ذلك مِن المراتب ما هو غليظٌ وما هو دونه ".
وقال: "لأنّ التولي التّام يوجب الانتقال إلى دينهم، والتولي القليل يدعو إلى الكثير، ثم يتدرّج شيئاً فشيئاً، حتى يكون العبدُ منهم".
وقال ابن عاشور –رحمه الله- في "التحرير والتنوير" عن قوله تعالى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ}: "وقَد تَأَوَّلَهَا الْمُفَسِّرُونَ بِأَحَدِ تَأوِيلَينِ: إِمّا بِحَمْلِ الولايَةِ فِي قَولِهِ: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ} عَلى الوَلايَةِ الكامِلَةِ الّتي هِيَ الرّضى بِدِينِهِم، وَالطَّعْنُ فِي دِينِ الإِسلَامِ، ..وَإِمّا بِتَأوِيلِ قَولِهِ: {فَإِنَّهُ مِنْهُم}عَلَى التَّشْبِيهِ البَلِيغِ، أَيْ فَهُوَ كَواحِدٍ مِنْهُم فِي استحقاقِ العذابِ.... وَقَدِ اتَّفَقَ عُلَماءُ السُّنَّةِ على أَنَّ ما دُونُ الرِّضا بِالكُفْرِ، ومُمالَأَتِهِم عَلَيهِ مِن الوَلايةِ لا يُوجِبُ الخرُوجَ مِن الرِّبقَةِ الْإِسلَامِيَّةِ، وَلكنَّهُ ضَلالٌ عَظيمٌ، وَهُوَ مَراتبُ فِي القُوَّةِ بحَسَبِ قُوَّةِ الموَالاةِ، وَبِاختِلافِ أَحوالِ المسلِمِينَ".
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في "الدرر السنية": "ثانيًا: موالاة خاصة، وهي موالاة الكفار لغرض دنيوي مع سلامة الاعتقاد، وعدم إضمار نية الكفر والرّدة كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة في إفشاء سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزو مكة كما هو مذكور في سبب نزول سورة الممتحنة".
وقال: "مسمى الموالاة يقع على شعب متفاوتة، منها ما يوجب الردة وذهاب الإسلام بالكلية، ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات".
واستدل أصحاب هذا الاتجاه أيضا بما سبق تقريرهُ من عدم تكفير الجاسوس المسلم بمجرد جَسِّه، مع أنّ التجسسَ لصالح الكفار على المسلمين مِن أعلى درجات الإعانة، وقد سمّاه الله موالاةً في كتابه.
وقال ابن تيمية فيمَن يقاتل المسلمين مع التتار: "وأيضاً لا يقاتل معهم غير مكرهٍ إلا فاسقٌ، أو مبتدعٌ، أو زنديقٌ".
وقال: "وكلّ مَن قفز إليهم مِن أمراء العسكر وغير الأمراء فحكمُه حكمُهم، وفيهم مِن الردّة عن شرائع الإسلام بقدْرِ ما ارتدَّ عنه مِن شرائع الإسلام".
وقال أبو حيان الأندلسي –رحمه الله- في "البحر المحيط": "وَمَنْ تَوَلَّاهُمْ بِأَفْعَالِهِ دُونَ مُعْتَقَدِهِ وَلَا إِخْلَالٍ بِإِيمَانٍ فَهُوَ مِنْهُمْ فِي الْمَقْتِ وَالْمَذَمَّةِ، وَمَنْ تَوَلَّاهُمْ فِي الْمُعْتَقَدِ فَهُوَ مِنْهُمْ فِي الْكُفْرِ" .
ثالثًا: ما سبق تقريرُه مِن التّكفير ببعض صور الموالاة إنما هو في التّكفير المطلَق، وبيانِ أنّ هذا الفعلَ مِن المكفرات وموجبات الرّدة، وأما الحكمُ على معين بالكفر والردّة بإطلاق، فلا يجوز؛ إذ لا بدّ مِن توافر الشروط وانتفاء الموانع،كما هي قاعدة أهل السنة والجماعة في باب التكفير، خلافًا لأهل الغلو.
كما دلّت النصوص وأقوال العلماء على اعتبار الإكراه والتأويل عذراً شرعياً في باب الموالاة يمنع لحوقَ الوعيد، فلا يكْفُرُ مَن كان مع الكفّار في صفِّهم وهو مكرَهٌ، أو متأوّل.
فعن أم سلمة رضي الله عنها، عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنّه ذكر الجيشَ الذي يُخسف بهم، فقالت أم سلمة: "لعلّ فيهم المكرَه!"، قال: (إنهم يُبعثون على نيّاتهم) رواه الترمذي وابن ماجه.
وفي روايةٍ لمسلمٍ: (فكيف بمَن كان كارهاً ؟! ).
وعند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها: (وفِيهِم أَسواقُهم، ومَن ليسَ مِنْهُم) .
فدلّت هذه الأحاديثُ على أن الذين يخرجون للقتال في صفوف العدو متفاوتون، وفيهم المجبور، وفيهم الكاره، وفيهم المستبصر، وهم مختلفون في الحكم، ويبعثون على نيّاتهم فالأمرُ راجعٌ إلى النِّيَّةِ.
قال ابن تيمية في "الفتاوى": "وليس لأحد أنْ يكفر أحداً مِن المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة".
وقال: "إذا كان المسلمُ متأوّلا في القتال أو التّكفير لم يَكفُر بذلك".
رابعًا : ليس مِن موالاة الكفار في شيءٍ اللقاءُ بهم، أو مفاوضتهم، أو التعاون معهم على مصلحة مشتركة فيها خير للمسلمين، فهذه الصور وأشباهُها لا تدخل في موالاة الكفار أصلاً، فضلاً عن جعلها مِن الموالاة المكفّرة، فضلاً عن تكفير المعينين بها مِن أفراد وجماعات.
نسأل الله أن يبصرنا بديننا، وأن يجنبنا الفتن، وأن يثبتنا على الطريق المستقيم.
والحمد لله رب العالمين
4- يقول ابن عادل الدمشقى الحنبلى رحمه الله تعالى المتوفى سنة 880 هجري((فصل موالاة الكافر تنقسم ثلاثة أقسامٍ. الأول : أن يَرْضَى بكفره , ويُصَوِّبَه , ويواليَه لأجْلِه , فهذا كافر ؛ لأنه راضٍ بالكفر ومُصَوِّبٌ له. الثاني : المعاشرةُ الجميلةُ بحَسَب الظاهر , وذلك غير ممنوع منه. الثالث الموالاة , بمعنى الركون إليهم , والمعونة , والنُّصْرة , إما بسبب القرابة , وإما بسبب المحبة مع اعتقاد أن دينَه باطل فهذا منهيٌّ عنه , ولا يوجب الكفر )انتهى (تفسير اللباب)(ج1 ص 1030) .............................................8- يقول ابن عطية الأندلسي رحمه الله (المتوفى : 542هـ) (ومن تولاهم بمعتقده ودينه فهو منهم في الكفر واستحقاق النقمة والخلود في النار، ومن تولاهم بأفعاله من العضد ونحوه دون معتقد ولا إخلال بإيمان فهو منهم في المقت والمذمة الواقعة عليهم وعليه)انتهى (ج2ص204 المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) 1- يقول الامام السرخسي في شرح السير الكبير: "وَلَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا كَانَ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ يُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَلَبُهُ. لِأَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُبَاحَ الْقَتْلِ وَلَكِنَّ سَلَبَهُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ. لِأَنَّهُ مَالُ الْمُسْلِمِ، وَمَالُ الْمُسْلِمِ لَا يَكُونُ غَنِيمَةً لِلْمُسْلِمِينَ بِحَالٍ كَأَمْوَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ" انتهى. فقد حكم عليه بحكم الاسلام ولو كان يقاتل المسلمين في صفوف الكفار (هذا مع اباحة وهدر دمه لأنه مجرم يستحق العقوبة) 2- يقول الرملي في نهاية المحتاج :(الشَّهِيدُ الَّذِي يَحْرُمُ غُسْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ ضَابِطُهُ أَنَّهُ كُلُّ (مَنْ مَاتَ) (فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ) أَوْ الْكَافِرِ الْوَاحِدِ سَوَاءٌ أَكَانُوا أَهْلَ حَرْبٍ أَمْ رِدَّةٍ أَمْ ذِمَّةٍ قَصَدُوا قَطْعَ الطَّرِيقِ عَلَيْنَا وَنَحْوَ ذَلِكَ (بِسَبَبِهِ) أَيْ الْقِتَالِ، سَوَاءٌ أَقَتَلَهُ كَافِرٌ أَمْ عَادَ إلَيْهِ سَهْمُهُ أَمْ أَصَابَهُ سِلَاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً أَمْ تَرَدَّى فِي وَهْدَةٍ أَمْ رَفَسَتْهُ دَابَّةٌ فَمَاتَ أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ بَاغٍ اسْتَعَانَ بِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ)الكتاب: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج المؤلف: شمس الدين محمد بن أبي العباس شهاب الدين الرملي (المتوفى: 1004هـ) فالرملي رحمه الله لم يخرج المسلم الذي استعان به الكفار من أهل الحرب واعتبره مسلما باغيا 3- قال الشافعي في الام: وَلَيْسَ الدَّلاَلَةُ على عَوْرَةِ مُسْلِمٍ وَلاَ تَأْيِيدُ كَافِرٍ بِأَنْ يُحَذِّرَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُونَ منه غِرَّة لِيُحَذَّرَهَا أو يَتَقَدَّمَ في نِكَايَةِ الْمُسْلِمِينَ بِكُفْرٍ بَيِّنٍ. انتهى فالامام الشافعي رضي الله عنه لم يعتبر من يتقدم جيش الكفار من المسلمين معينا لهم على المسلمين بكفر او ردة 4- يقول ابن تيمية رحمه الله(( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ( وقال تعالى فى حقهم { ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون } فهؤلاء المنافقون الذين يتولون اليهود الذين غضب الله عليهم ماهم من اليهود ولا هم منا مثل من أظهر الإسلام من اليهود والنصارى والتتر وغيرهم وقلبه مع طائفته فلا هو مؤمن محض ولا هو كافر ظاهرا وباطنا فهؤلاء هم المذبذبون الذين ذمهم الله ورسوله وأوجب على عباده أن يكونوا مؤمنين لا كفارا ولا منافقين بل يحبون لله ويبغضون لله ويعطون لله ويمنعون لله)انتهى من كتب ورسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية. فها هو شيخ الاسلام يقرر بأن من يوالي الكفار مسلم ظاهرا وليس كافرا ظاهرا وباطنا بل هو خبيث الباطن مسلم الظاهرشبهة والرد عليها - يحتج البعض لما يدعي بأن موالاة الكفار ردة مطلقا دون تفصيل بقول الامام الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره حيث يقول عند قول الله عزوجل({لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} (28)آل عمران - قال الامام الطبري رحمه الله تعالى:وَمَعْنَى ذَلِكَ : لاَ تَتَّخِذُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكُفَّارَ ظَهْرًا وَأَنْصَارًا ، تُوَالُونَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ ، وَتُظَاهِرُونَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَتَدُلُّونَهُمْ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ ، فَإِنَّهُ مَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ؛ يَعْنِي بِذَلِكَ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ ، وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ بِارْتِدَادِهِ عَنْ دِينِهِ ، وَدُخُولِهِ فِي الْكُفْرِ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً)انتهى من كلام الطبري - هل الإمام الطبري رحمه الله تعالى يقول بردة من والى الكفار بمجردالمناصرة ا ومظاهرتهم على المسلمين دون تفصيل ؟فنقول وبالله التوفيق والسداد: 1- إن الاستشهاد بكلام الإمام الطبري رحمه الله تعالى (على أن مناصرة المسلم للكافر المجردة من موجبات الردة)مجانب للصواب وذلك للأسباب التالية: السبب الأول: - إن الامام الطبري حكم بالردة على المتولي للكفار بسبب موالاته لدين الكافر , او بالموالاة التامة التي تشمل كل انواع الموالا ة المحرمة والمكفرة فانظر إلى قوله (لاَ تَتَّخِذُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكُفَّارَ ظَهْرًا وَأَنْصَارًا ،تُوَالُونَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ ، وَتُظَاهِرُونَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَتَدُلُّونَهُمْ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ ، فَإِنَّهُ مَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ؛ يَعْنِي بِذَلِكَ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ ، وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ بِارْتِدَادِهِ عَنْ دِينِهِ ، وَدُخُولِهِ فِي الْكُفْرِ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) - وبذلك لا يكون قد خرج عما قاله باقي المفسرين لكتاب الله عزوجل فهم جميعا يحكمون بالردة على من تولى الكفار لدينهم, - قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسير قوله تعالى: { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } : (وذلك الظلم يكون بحسب التولي، فإن كان توليا تاما، كان ذلك كفرا مخرجا عن دائرة الإسلام، وتحت ذلك من المراتب ما هو غليظ وما هو دونه)........وأما قوله تعالى: { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } ، وقوله: { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } وقوله: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فقد فسرته السنة وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة العامة.)انتهى تفسير السعدي - وهنا قد يرد اشكال يحتاج إلى توضيح:وهو ان الطبري قد ذكر في معرض كلامه (في الحكم على المتولي للكفار بالردة )ذكر المظاهرة للكفار على المسلمين وذكر الدلالة على عورات المسلمين فقال(وَتُظَاهِرُونَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَتَدُلُّونَهُمْ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ ،)وهذا من المناصرة والمعونة على المسلمين(وللوهلة الأولى )يظن القارئ أنها من موجبات الردة كما هو ظاهر في آخر كلامه!!!!!! والإجابة على ذلك هو أن الطبري ذكر هذان الفعلان تبعا لا أصالة,بمعنى الذي يتولى الكفار في دينهم فهو من باب أولى يظاهر الكفار على المسلمين ويدل على عوراتهم,لا أن هذه المظاهرة للكفار والدلالة على عورات المسلمين هي أيضا من موجبات الردة, والدليل على ذلك من زاويتين: الزاوية الأولى:وهو أنه لا يشترط في الاسماء المتعاطفة أن تكون على نفس الدرجة من الجرم ,ألا ترى إلى قول الله عز وجل من سورة المدثر (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47)))ومعلوم أن عدم إطعام المسكين ليست كالذي يكذب بالدين فتلك معصية وهذه كفر. الزاوية الثانية: هو أن الطبري في أكثر من موضع في تفسيره لم يحكم بالردة على من يوالي الكفار بالدلالة على العورات أو المناصرة المجردة وإليك الأمثلة: المثال الأول:يقَوْلُ الطبري فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ : لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ بِطَانَةً وَأَصْدِقَاءَ تُفْشُونَ إِلَيْهِمْ أَسْرَارَكُمْ وَتُطْلِعُونَهُمْ عَلَى عَوْرَةِ الإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ ، وَتُؤْثِرُونَ الْمُكْثَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ عَلَى الْهِجْرَةِ إِلَى دَارِ الإِسْلاَمِ . {إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ} يَقُولُ : إِنِ اخْتَارُوا الْكُفْرَ بِاللَّهِ عَلَى التَّصْدِيقِ بِهِ وَالإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِهِ . {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ} يَقُولُ : وَمَنْ يَتَّخِذَهُمْ مِنْكُمْ بِطَانَةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَيُؤْثِرُ الْمُقَامَ مَعَهُمْ عَلَى الْهِجْرَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَدَارِ الإِسْلاَمِ {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} يَقُولُ : فَالَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ مِنْكُمْ هُمُ الَّذِينَ خَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ ، فَوَضَعُوا الْوَلاَيَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعَهَا وَعَصَوُا اللَّهَ فِي أَمْرِهِ. )) انتهى - الطبري رحمه الله تعالى لم يحكم عليهم بالردة وأنما وصفهم بالمخالفة والمعصية لأمر الله عزوجل المثال الثاني: الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا}َهَذَا نَهْي مِنَ اللَّهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَخَلَّقُوا بِأَخْلاَقِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ , فَيَكُونُوا مِثْلَهُمْ فِي رُكُوبِ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ مُوَالاَةِ أَعْدَائِهِ . يَقُولُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ , لاَ تُوَالُوا الْكُفَّارَ فَتُؤَازِرُوهُمْ مِنْ دُونِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ وَدِينِكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ , فَتَكُونُوا كَمَنْ أَوْجَبَ لَهُ النَّارَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ . ....انتهى - -فعلى الرغم من أنه وصفهم بأنه يؤازرون الكفار إلا أنه حكم عليهم بالنفاق لا بالردة ومعلوم أن المنافق هو من أبطن الكفر وأظهر الإسلام وأنه يعامل في الدنيا معاملة المسلمين على الرغم من أنه في الدرك الاسفل من النار في الآخرة.والنفاق والردة لا يجتمعان في وقت واحد فإما مرتد فهو كافر ظاهرا وباطنا وإما منافق فهو كافر باطنا مسلم في الظاهر فلا يطلق على الرجل أنه منافق وقد ارتكب مايوجب الردة - السبب الثاني:أن الامام الطبري رحمه الله تعالى قد يطلق أحيانا لفظ الموالاة يقصد بها الدخول في الدين فلاحظ قوله في آخر هذا المقطع في تفسيره لقول الله عزوجل: { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } - قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"ومن يتولهم منكم فإنه منهم"، ومن يتولَّ اليهود والنصارى دون المؤمنين، فإنه منهم. يقول: فإن من تولاهم ونصرَهم على المؤمنين، فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولً أحدًا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راضٍ. وإذا رضيه ورضي دينَه، فقد عادى ما خالفه وسَخِطه، وصار حكُمه حُكمَه، (1) ولذلك حَكَم مَنْ حكم من أهل العلم لنصارى بني تغلب في ذبائحهم ونكاح نسائهم وغير ذلك من أمورهم، بأحكام نصَارَى بني إسرائيل، لموالاتهم إياهم، ورضاهم بملتهم، ونصرتهم لهم عليها، وإن كانت أنسابهم لأنسابهم مخالفة، وأصل دينهم لأصل دينهم مفارقًا.وفي ذلك الدلالةُ الواضحة على صحة ما نقول، من أن كل من كان يدين بدينٍ فله حكم أهل ذلك الدين،انتهى. - وقدأورد عدة أحاديث في هذا المعنى منها: - 18636 - أَخْبَرَنَاهُ أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، فِيمَا قَرَأَ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ " سُئِلَ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ، فَقَالَ: " لَا بَأْسَ بِهَا، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] " انتهى - التعليق:(ومعلوم أن نصارى العرب كانوا من عبدة الأوثان ولكنهم والوا النصارى ,أي بمعنى دخلوا في دينهم,) - 18637 - وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ حَدِيثًا رَوَاهُ سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: «جَعَلَ اللَّهُ الْمُتَوَلِّي لِلْقَوْمِ مِنْهُمْ، فَمَنِ انْتَقَلَ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ مِنَ الْعَرَبِ أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ» - بل وحتى أحد أسباب النزول للآية الكريمة:عن السدي:"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم"، قال: لما كانت وقعة أحُدٍ، اشتدّ على طائفة من الناس، وتخوَّفوا أن يُدَال عليهم الكفَّار، (3) فقال رجل لصاحبه: أمَّا أنا فألحق بدهلك اليهوديّ، فآخذ منه أمانًا وأتهَوّد معه، (4) فإني أخاف أن تُدال علينا اليهود. وقال الآخر: أمَّا أنا فألحق بفلانٍ النصراني ببعض أرضالشأم، فآخذ منه أمانًا وأتنصَّر معه، فأنزل الله تعالى ذكره ينهاهما:"يا آيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهودَ والنصارَى أولياءَ بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين". - وخلاصة القول في الجواب على السؤال الثاني(هل الإمام الطبري رحمه الله تعالى يقول بردة من والى الكفار بمجردالمناصرة ومظاهرتهم على المسلمين دون تفصيل ؟والجواب:إن الامام الطبري رحمه الله تعالى يرى كغيره من المفسرين تقسيم الموالاة المنهي عنها إلى قسمين رئيسين:الاول :وهي الموالاة للكفار في الدين ويقصد بها أحيانا نصرة دين الكافر والرضى بكفره وأحياناالدخول في دين الكافر وهذا مااتفقت الأمة على أنه ردة وخروج من الملة,وأما القسم الثاني فهو الموالاة في غير الدين أي موالاة الكافر بالنصرة والمعونة والدلالة على عوراة المسلمين والمظاهرة عليهم ,فهذه عنده كما هي عند غيره من أئمة السلف وعلماء الأمة تعتبر كبيرة من الكبائر التي يستحق فاعلها العقوبة في الدنيا والآخرة إلا أنها لا تخرجه من الملة الإسلامية ,والله تعالى أعلم.هناك فرق بين الموالاة الكبرى و الصغرى لكن الموالاة الكبرى نقل ابن باز و ابن جزم بالاجماع على من فعلها فهو كافر كفر اكبر أنَّ مجرد مناصرة الكفار على المسلمين مِن موجبات الردة والخروج من الملة؛ لأنّ ظاهر القرآن الكريم يدلّ على كفر مَن يبذل الموالاة للكافرين، بالأعمال الظاهرة مِن النصرة والإعانة والمظاهرة: قال الطبري في تفسر قوله تعالى: {ومَنْ يَتَوَلَّهُم مِنْكُم فَإِنَّهُ مِنْهُم}:" فَإِنَّ مَن تَولَّاهُمْ ونَصرهُم عَلى المؤْمِنِينَ, فَهُوَ مِنْ أَهْلِ دِينِهم ومِلَّتِهِم ؛ فَإِنَّهُ لا يَتولّى مُتَوَلٍّ أَحَدًا إِلّا وَهُوَ بِهِ وَبِدينِهِ وما هُوَ عَلَيهِ راضٍ, وَإِذا رَضِيَهُ ورضيَ دِينهُ فَقَدْ عادَى ما خالَفَهُ وسخِطَهُ , وصارَ حُكمُهُ حُكمَهُ" . وقال الجصّاص: "وَإِنْ كانَ الْخِطابُ لِلمُسْلِمِينَ فَهُوَ إخبارٌ بِأَنَّهُ كافرٌ مِثْلُهُم بِمُوالاتِهِ إيّاهُمْ". وقال ابنُ حزم –رحمه الله- في "المحلى": "وَصَحَّ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} إنَّمَا هُوَ عَلى ظاهرِهِ بأَنَّهُ كافِرٌ مِن جُملَةِ الْكُفّارِ فَقَطْ - وهذا حَقٌّ لا يَختلفُ فِيه اثنانِ مِن المسلمينَ". وقال العز بن عبد السلام –رحمه الله- في "تفسيره": "{فَإِنَّهُ مِنْهُم} مثلُهم في الكفر، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما". وقال الشيخ أحمد شاكر –رحمه الله- في بيان حكم التعاون مع الإنجليز والفرنسيين أثناء عدوانهم على المسلمين: "أما التعاونُ مع الإنجليز, بأيّ نوعٍ مِن أنواع التّعاون , قلّ أو كثر , فهو الردّة الجامحة، والكفر الصّراح, لا يُقبل فيه اعتذارٌ, ولا ينفع معه تأوّل, ولا ينجي مِن حكمه عصبية حمقاء، ولا سياسة خرقاء, ولا مجاملة هي النفاق, سواء أكان ذلك من أفراد أو حكومات أو زعماء".وقال شيخ الإسلام في اختياراته: "من جمز إلى معسكر التتر، ولحق بهم ارتد، وحل ماله ودمه" نقله الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، الدرر السنية 8/338، مجموعة الرسائل النجدية 3/35، وعلق الشيخ رشيد رضا في الحاشية بقوله: "وكذا كل من لحق بالكفار المحاربين للمسلمين وأعانهم عليهم، وهو صريح قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُم}".