الأضحية أحكام وآداب
الكاتب : الشيخ فايز الصلاح
الثلاثاء 9 أكتوبر 2012 م
عدد الزيارات : 24773

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد:
فإن الأضحية من شعائر الإسلام التي شرعت بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم، وأجمع عليها المسلمون.
قال الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163]، والنسك: هو الذبح.
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:" ضحى النبي صلى الله عليه وسلّم بكبشين أملحين ذبحهما بيده وسمى وكبر، وضع رجله على صفاحهما".

 


. الأضحية: ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام عيد الأضحى بسبب العيد تقرباً إلى الله عز وجل.
. واختلف العلماء بعد الاتفاق على سنيتها ، هل هي سنة مؤكدة، أو واجبة لا يجوز تركها؟
فذهب جمهور العلماء إلى أنها سنة مؤكدة، وهو مذهب الشافعي، ومالك، وأحمد في المشهور عنهما.
وذهب آخرون إلى أنها واجبة، وهو مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: هو أحد القولين في مذهب مالك، أو ظاهر مذهب مالك.
. وذهب كثير من أهل العلم إلى أن الأضحية إنما هي في حق غير الحاج ، فأما الحاج فلا تشرع في حقه إنما يشرع له الهدي في الحج.
. وذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها؛ لأن ذلك عمل النبي - صلى الله عليه وسلّم- والمسلمين معه؛ ولأن الذبح من شعائر الله تعالى، فلو عدل الناس عنه إلى الصدقة لتعطلت تلك الشعيرة.
. والأصل في الأضحية أنها مشروعة في حق الأحياء كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلّم- وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم، ويجوز أن يضحي عنهم تبعاً للأحياء مثل أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته وينوي بهم الأحياء والأموات، وأصل هذا تضحية النبي - صلى الله عليه وسلّم- عنه وعن أهل بيته وفيهم من قد مات من قبل، ومثل ذلك أن يضحي عن الأموات بمقتضى وصاياهم تنفيذاً لها .
. ويشترط للأضحية خمسة شروط:
أحدها: أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها .
الثاني: أن تبلغ السن المحدود شرعاً بأن تكون جذعة من الضأن، أو ثنية من غيره لقوله صلى الله عليه وسلّم:" لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن" رواه مسلم.
والمسنة: الثنية فما فوقها، والجذعة ما دون ذلك. فالثني من الإبل: ما تم له خمس سنين، والثني من البقر: ما تم له سنتان، والثني من الغنم: ما تم له سنة، والجذع: ما تم له نصف سنة.
الثالث: أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء وهي أربعة:

  1. العور البين: وهو الذي تنخسف به العين، أو تبرز حتى تكون كالزر، أو تبيض ابيضاضاً يدل دلالة بينة على عورها.
  2. المرض البين: وهو الذي تظهر أعراضه على البهيمة كالحمى التي تقعدها عن المرعى وتمنع شهيتها، والجرب الظاهر المفسد للحمها أو المؤثر في صحته، والجرح العميق المؤثر عليها في صحتها ونحوه.
  3. العرج البين: وهو الذي يمنع البهيمة من مسايرة السليمة في ممشاها.
  4. الهزال المزيل لمخ العظم : وكل ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلّم حين سئل ماذا يتقي من الضحايا فأشار بيده وقال:" أربعاً: الْعَرْجَاءُ، الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالْعَوْرَاءُ، الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ، الْبَيِّنُ مَرَضُهَا. وَالْعَجْفَاءُ، الَّتِي لاَ تُنْقِي" ، رواه مالك في الموطأ من حديث البراء بن عازب، وفي رواية في السنن عنه رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال:"أربع لا تجوز في الأضاحي..."، وذكر نحوه.
  5. فهذه العيوب الأربعة مانعة من إجزاء الأضحية بما تعيب بها، ويلحق بها ما كان مثلها أو أشد.

الشرط الرابع: أن تكون ملكاً للمضحي، أو مأذوناً له فيها من قبل الشرع، أو من قبل المالك فلا تصح التضحية بما لا يملكه كالمغصوب والمسروق والمأخوذ بدعوى باطلة ونحوه؛ لأنه لا يصح التقرب إلى الله بمعصيته، وأن لا يتعلق بها حق للغير فلا تصح التضحية بالمرهون .
الشرط الخامس: أن يضحى بها في الوقت المحدود شرعاً وهو من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون أيام الذبح أربعة: يوم العيد بعد الصلاة، وثلاثة أيام بعده، فمن ذبح قبل فراغ صلاة العيد، أو بعد غروب الشمس يوم الثالث عشر لم تصح أضحيته ، وتكون صدقة من الصدقات ، لما روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال:" من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء" ، وعن نبيشة الهذلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:" أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل" رواه مسلم.
. والأفضل من الأضاحي جنساً: الإبل، ثم البقر إن ضحى بها كاملة، ثم الضأن، ثم المعز، ثم سبع البدنة ثم سبع البقرة، والأفضل منها صفة: الأسمن الأكثر لحماً الأكمل خلقة الأحسن منظراً.
. تجزىء الأضحية الواحدة من الغنم عن الرجل وأهل بيته ومن شاء من المسلمين؛ لحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال:" كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون" رواه ابن ماجه والترمذي وصححه.
. ويجزىء سبع البعير أو سبع البقر عمن تجزىء عنه الواحدة من الغنم، فلو ضحى الرجل بسبع بعير أو بقرة عنه وعن أهل بيته أجزأه ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم جعل سبع البدنة والبقرة قائماً مقام الشاة في الهدي فكذلك يكون في الأضحية لعدم الفرق بينها وبين الهدي في هذا.
. ولا تجزىء الواحدة من الغنم عن شخصين فأكثر يشتريانها فيضحيان بها؛ لعدم ورود ذلك في الكتاب والسنة، كما لا يجزىء أن يشترك ثمانية فأكثر في بعير أو بقرة؛ لأن العبادات توقيفية لا يجوز فيها تعدي المحدود كمية وكيفية، وأما الاشتراك في الثواب فلا مانع منه بأي عدد.
. ويشرع للمضحي أن يأكل من أضحيته، ويهدي، ويتصدق لقوله تعالى:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } [الحج: 28] وقوله تعالى: { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] فالقانع السائل المتذلل، والمعتر المتعرض للعطية بدون سؤال، وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال:"كلوا وأطعموا وادخروا" رواه البخاري ، والإطعام يشمل الهدية للأغنياء والصدقة على الفقراء، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال:" كلوا وادخروا وتصدقوا"رواه مسلم.
. وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في مقدار ما يأكل ويهدي ويتصدق، والأمر في ذلك واسع، وما جاز أكله منها جاز ادخاره ولو بقي مدة طويلة إذا لم يصل إلى حد يضر أكله إلا أن يكون عام مجاعة فلا يجوز الادخار فوق ثلاثة أيام ، لحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:" من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء" ، فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله نفعل كما فعلنا في العام الماضي، فقال صلى الله عليه وسلّم:" كلوا واطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان في الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها" متفق عليه.
. ويحرم أن يبيع شيئاً من الأضحية لا لحماً ولا غيره حتى الجلد، ولا يعطي الجازر شيئاً منها في مقابلة الأجرة أو بعضها لأن ذلك بمعنى البيع.
فأما من أهدي إليه شيء منها أو تصدق به عليه فله التصرف فيه بما شاء من بيع وغيره، غير أنه لا يبيعه على من أهداه أو تصدق به .
. وإذا أراد أحد أن يضحي ودخل شهر ذي الحجة إما برؤية هلاله، أو إكمال ذي القعدة ثلاثين يوماً فإنه يحرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره، أو أظفاره أو جلده حتى يذبح أضحيته لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: "إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره" رواه مسلم، وفي لفظ:" فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئاً حتى يضحي" ،وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته ولا إثم عليه فيما أخذه قبل النية.
وهذا حكم خاص بمن يضحي، أما من يضحى عنه فلا يتعلق به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قال:" وأراد أحدكم أن يضحي" ، ولم يقل أو يضحى عنه؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يضحي عن أهل بيته ولم ينقل عنه أنه أمرهم بالإمساك عن ذلك.
وعلى هذا فيجوز لأهل المضحي أن يأخذوا في أيام العشر من الشعر والظفر والبشرة.
. وللذكاة آداب ينبغي مراعاتها ولا تشترط في حل الذبيحة بل تحل بدونها فمنها:

  1.  استقبال القبلة بالذبيحة حين تذكيتها.
  2.  الإحسان في تذكيتها بحيث تكون بآلة حادة يمرها على محل الذكاة بقوة وسرعة.
  3. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلّم- :" إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته" رواه مسلم.
  4.  أن تكون الذكاة في الإبل نحراً، وفي غيرها ذبحاً فينحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، فإن صعب عليه ذلك نحرها باركة. ويذبح غيرها على جنبها الأيسر، فإن كان الذابح أعسر يعمل بيده اليسرى ذبحها على الجنب الأيمن إن كان أريح للذبيحة وأمكن له. ويسن أن يضع رجله على عنقها ليتمكن منها.
  5. وأما البروك عليها والإمساك بقوائمها فلا أصل له من السنة، وقد ذكر بعض العلماء أن من فوائد ترك الإمساك بالقوائم زيادة إنهار الدم بالحركة والاضطراب.
  6.  قطع الحلقوم والمريء زيادة على قطع الودجين.
  7.  أن يستر السكين عن البهيمة عند حدها فلا تراها إلا عند الذبح.
  8.  أن يكبر الله تعالى بعد التسمية.

http://www.islamicsham.org