دفع الزكاة للأقارب مع قصد الإنفاق منها على الوالدين
الكاتب : المكتب العلمي ـ هيئة الشام الإسلامية
الأربعاء 24 مارس 2021 م
عدد الزيارات : 43675

دفع الزكاة للأقارب مع قصد الإنفاق منها على الوالدين

السؤال

أنا شاب مقيم في تركيا، فهل يجوز أنْ أرسلَ زكاة مالي لأهلي في سورية؟

أو أنْ أرسلَها لأختي المطلّقة التي تعيش مع أهلي، ولكن في قرارة نفسي أريدها أن تصرف منها على أمي وأبي وكذلك تصرف على نفسها وابنتها، فهل يجوز ذلك؟

الجواب:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

أما بعد:

فإنَّ الأصلَ جوازُ دفع الزكاة لكلِّ قريبٍ إذا كان مِن مصارف الزكاة الثمانية، إلا أنّه لا يجوز دفعُها للقريب مِن مصرف الفقراء أو المساكين في الحال التي يكون المُزكِّي ملزَمًا بالنّفقة عليه؛ لما في ذلك مِن إسقاط النّفقة أو جزءٍ منها عن نفسِه، وفي حال جوازِ دفع الزكاة لأختِك فلا حرج مِن إنفاقِها على والديك منها إذا لم تشترط عليها ذلك أو تنويه.

وفيما يلي بيانُ ذلك:

أولًا:

دفعُ الزكاة للأقارب مِن الأصول والفروع (وهم: الآباء والأمهات، والأجداد والجدات، والبنون والبنات، والأحفاد مِن أولاد البنين والبنات) له ثلاثُ صور:

1- أن يكون القريبُ مِن الفقراء أو المساكين، ونفقتُه واجبةٌ على المُزكِّي.

ففي هذه الحال لا يجوز دفعُ الزكاة له باتفاق العلماء؛ لما في ذلك مِن حماية ماله ووقايته بإسقاط واجبٍ عليه، وهو النفقة.

قال ابنُ المنذر في كتابه الإجماع: "وأجمعوا على أنّ الزكاةَ لا يجوز دفعُها إلى الوالدين والولد في الحال التي يُجبر الدافعُ إليهم على النفقةِ عليهم".

وقال ابنُ بَطّال في شرح صحيح البخاري: "اتفق العلماءُ على أنه لا يجوز دفعُ الزكاة إلى الابن، ولا إلى الأب، إذا كانا ممن تلزم المُزكِّي نفقتُهما؛ لأنها وقايةٌ لماله".

وقال النووي في المجموع: "لا يجوز للإنسان أنْ يدفعَ إلى ولده ولا والدِه الذي يلزمه نفقتُه مِن سهمِ الفقراء والمساكين؛ لعلَّتين: إحداهما: أنَّه غنيٌّ بنفقتِه، والثانيةُ: أنَّه بالدفع إليه يجلب إلى نفسِه نفعًا، وهو منعُ وجوبِ النفقةِ عليه".

2- أن يكون القريبُ مِن الفقراء أو المساكين ونفقتُه غيرُ واجبة؛ إما لكون المُزكِّي عاجزًا عن النفقة، أو لوجود مَن هو أقربُ إليه ملزمٌ بالنفقة عليه (فمثلاً لا تجب على الحفيدِ النفقةُ على جدّه مع وجود أعمامه).

ففي هذه الحال يجوز دفعُ الزكاة له؛ لأنَّ القريب هنا كالفقير الأجنبي، وليست النفقة واجبة على المُزكِّي حتى يسقطها عن نفسه بالزكاة ويحمي بقية ماله.

قال النووي في المجموع: "وأما إذا كان الولدُ أو الوالد فقيرًا أو مسكينًا، وقلنا في بعض الأحوال لا تجب نفقتُه: فيجوز لوالده وولده دفعُ الزكاة إليه مِن سهم الفقراء والمساكين".

وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: "وأما إن كانوا فقراء وهو عاجزٌ عن نفقتِهم، فالأقوى: جوازُ دفعِها إليهم في هذه الحال؛ لأنَّ المقتضيَ موجودٌ، والمانعَ مفقودٌ، فوجب العملُ بالمقتضي السالم عن المعارِض المقاوم".

3- أن لا يكون قريبه فقيرًا أو مسكينًا، لكنّه مستحقّ للزكاة لسبب آخر؛ كأن يكون مِن الغارمين (الذين عليهم ديونٌ لا يقدرون على سدادِها) أو المجاهدين في سبيل الله أو أبناء السبيل (وهم المسافرون الذين انقطعت بهم السبل).

فلا حرجَ في دفعِ الزكاةِ له سواء أكانت النفقةُ واجبةً عليه أم لا؛ لأنّ المُزكِّي لا ينتفع بدفع الزكاة لهم ولا يقي بها مالَه؛ لأنّ قضاءَ دَينِهم، أو إعانتَهم على الغزو، أو تَحَمُّلَ نفقات سفرهم: غيرُ واجبة عليه.

قال الإمام الشافعي في كتابه الأم: "ويُعطيهم بما عدا الفقرَ والْمَسكنةَ؛ لأنّه لا يَلزمُه قضاءُ الدّينِ عَنهم، ولا حَملُهم إلى بلدٍ أرادوه".

وقال الدَّميري في النجم الوهّاج: "يجوز أن يُعطي مَن تلزمه نفقتُه مِن سهم الغارمين والعاملين والمكاتبين والغزاة إذا كان بهذه الصفة، ويجوز أن يعطيه مِن سهم ابنِ السبيل قدرَ مُؤنة السفر".

وقال ابنُ تيمية في الفتاوى الكبرى: "ويجوز صرفُ الزكاة إلى الوالدين وإنْ علوا، وإلى الوالد وإنْ سَفَل... إن كانوا غارمين، أو مكاتبين، أو أبناء السبيل".

وقال أيضًا: "إذا كان على الولد دَينٌ ولا وفاءَ له: جاز له أنْ يأخذ مِن زكاة أبيه؛ في أظهر القولين في مذهب أحمد وغيره".

ثانيًا:

دفعُ الزكاة للأقارب مِن غير الأصول والفروع (وهم: الأخوة والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وأولاد المذكورين) له صورتان:

الأولى: أنْ يكون المُزكِّي غيرَ وارثٍ لقريبه، إما لكونه مِن غير الوارثين (كالخال والخالة)، أو وجود قريبٍ للميت أولى منه بالميراث (كأخيه أو عمه الذين لديهم أولاد ذكور).

ففي هذه الحال يجوز دفعُ الزكاة له باتفاق العلماء.

قال ابن قدامة المقدسي في المغني: "فمن لا يُورث منهم: يجوز دفع الزكاة إليه".

قال الزركشي في شرح متن الخرقي: "جاز الدفع إليه بلا نزاع".

الثانية: أن يكون المُزكِّي وارثًا لقريبه.

فاختلف العلماءُ في وجوب الإنفاق عليهم، وبكلِّ قولٍ أخذ طائفةٌ مِن أهل العلم.

والأقربُ فيما يتعلق بالزكاة التفصيلُ بحسب حال المُزكِّي:

- فإن كان ينفق عليه بناءً على القول بالوجوب أو صدور حكمٍ قضائي: فلا يجوز له في هذه الحال دفعُ الزكاة له؛ لما في ذلك مِن إسقاط واجبٍ عليه، ووقايةِ مالِه.

-وإن كان لا ينفق عليه، إما تقليدًا لمن يرى عدمَ الوجوب (وهم جمهور العلماء) أو لعجزه عن ذلك: فلا حرج في هذه الحال مِن دفع الزكاة له؛ لأنّ دفعَها له لا يتضمن إسقاطَ واجبٍ عليه أو وقايةَ ماله.

قال ابنُ عباس رضي الله عنه: "لا بَأسَ بأنْ تضعَ زكاتَك في مَوضِعِها، إذا لم تُعطِ مِنها أحدًا تَعُولُه أنتَ" رواه عبد الرزاق في المصنف.

وقال الإمامُ أحمد: "كلُّ القرابةِ -إلا الأبوينِ والولد- يُعطَى مِنَ الزكاةِ ما لم يقِ به مالَه، أو مَذمَّةً يدفعُها" نقلها إسحاق الكَوسج في مسائل الإمام أحمد، ودفعُ المَذمّة أن يكون لبعض قرابتِه عليه حقٌّ فيكافئه مِن الزكاة.

بل دفعُها للقريب في هذه الحال أولى مِن دفعها لغيره؛ لقول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (إنَّ الصَّدقَةَ على المسكينِ صَدَقةٌ، وعلى ذِي الرَّحِمِ اثنتانِ: صَدَقةٌ وصِلةٌ). رواه النسائي والترمذي وحسنه، وصححه ابن خزيمة وابن حبان.

قال ابن قدامة في المغني: "إذا تولى الرجلُ إخراجَ زكاتِه، فالمستحبُّ أن يبدأ بأقاربه الذين يجوز دفعُ الزكاةِ إليهم".

ثالثًا:

دفعُ الزكاة للفقير تمليكٌ له لهذا المال، وله حقُّ التصرفِ به كما يشاء، ومِن ذلك النفقة على والديه وأقاربه.

ولكن ليس للمُزكِّي دفعُ الزكاةِ لأختِه مع اشتراط أنْ تنفق منها على والديه؛ لأنّ ذلك في حكم دفع الزكاة لهما، وهو نوعٌ مِن التحايل على إسقاطِ نفقتِهما عنه.

قال أبو عبيد في كتاب الأموال: "وكذلك الوالدان إذا كانا ذوَي خَلَّةٍ وفاقة -أي حاجة وفقر- فعلى ولدهما الموسر أنْ يعُولهما، كعَولِه ولدَه وأهلَه".

وأمّا مجردُ علمِ المُزكِّي بأنّ أختَه ستنفق مِن المال على والديه: فلا يؤثّر في صحةِ دفع الزكاة لها.

وليس للمُزكِّي أنْ ينوي بالدفع لأختِه إسقاطَ نفقةِ والديه عن نفسه إذا كان يستطيعُ الإنفاقَ عليهما.

والخلاصة:

أنّه لا يجوز لك دفعُ الزكاة لوالديك إذا كنتَ ملزمًا بالنفقةِ عليهما، ولا حرج عليك في دفع الزكاة لأختك ما دمتَ غير مُلزَم بالنفقةِ عليها، ولو كنتَ تعلم أنها ستنفق مِن ذلك المال على والديك إذا لم تشترط ذلك عليها.

والذي ننصحك به أنْ تجعلَ لوالديك نفقةً خاصةً، وتتركَ الزكاة خالصةً لأختِك الفقيرة وأولادِها.

والله أعلم

 


http://www.islamicsham.org