الخميس 18 رمضان 1445 هـ الموافق 28 مارس 2024 م
الدولة المدنية التي نريد
الأربعاء 23 شوّال 1432 هـ الموافق 21 سبتمبر 2011 م
عدد الزيارات : 19958

نحن أيضا نريدها دولة مدنية بامتياز، وبكل الدلالات اللغوية للكلمة.
نريدها دولة مدنية
لا نريد دولة مكية، المؤمنون فيها مستضعفون، يُحارَبون لأجل دين رأوه حقا، فأُخرجوا من ديارهم، وضيّق عليه في معاشهم، وحُرموا من أبسط حقوقهم فلا يجتمعون لتعلم دينهم إلا سرّاً متخفين في دار الأرقم بن أبي الأرقم. بل ويُفتنون عن دينهم حتى يؤتى بأحدهم فيقال له: هذا الجعلان (حشرة الخنفسانة) إلهك من دون الله فيقول نعم، من شدة ما يلقى من الأذى والتعذيب. ولا تزال هذه الفتنة تمارَس اليوم بحذافيرها ولم يتغير فيها إلا هيئة الجعلان !
 

نريدها دولة مدنية
لا نريد دولة عسكرية بوليسية، يحكم فيها العسكر قساة القلوب، يُحصون على الناس أنفاسَهم، ويزرعون مُخبراً في كل زاوية، ويحاكمون الناس أمام محاكم عسكرية لا عدالة فيها ولا نزاهة، ويبددون مقدرات الدولة في تكوين الكيانات البوليسية والمخابراتية لحمايتهم، ويسوسون الناس بأحكام الطوارئ والأحكام العرفية طيلة الدهر.

نريدها دولة مدنية
لا نريد دولة همجية متخلفة رجعية، ليس لها من التقدم في العلوم الحديثة وأدوات الحياة المعاصرة نصيب، ترى ذلك في تعليمها وصحتها ومواصلاتها واتصالاتها ومعاملاتها المالية وإجراءاتها المعقدة وأنظمتها البالية.

نريد دولة مدنية حضارية، تُبنَى بسواعد أبنائها وتستنير بإبداعاتهم التي انتفع بها أكثر شعوب العالم وحُرمت هي منها بسبب طردهم وتهجيرهم، حتى أصبح أكثر من ثلث الشعب من المغتربين.

لا تريدونها دولة دينية !
ومن يريد دولة ثيوقراطية كنسية؟ سواء تسمت بذلك أو مارسته واقعاً.
من يريد دولة الحاكم فيها معصوم لا ينطق عن الهوى – وهو ليس ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً - ، كل ما يقوله حِكمة لكن قد تقصُر عنه أفهام البشر فلا يدركونه إلا بعد حين!*
من يريد دولة لم تبدِع إلا في شعارات التمجيد الممجوجة على شاكلة " لكل أمة عظيم، ولكل قرن عظيم، وأنت عظيم كل الأمم وكل القرون "**؟

حُدِّثتُ أن طالباً سورياً كان يسعى لدرجة الدكتوراة في السياسة في إحدى جامعات بريطانيا في أوائل التسعينيات من القرن الماضي،  واختار لأطروحته دراسة خطابات السيد الرئيس حافظ الأسد. فجاءت رسالته متخمةً بالإشادة والتعظيم والتقديس لعبارات السيد الرئيس ومضامينها ومغازيها وجوامع الكلم فيها. رُفضت الرسالة من المحكّمين لأن الطالب لم يرَ في خطابات السيد الرئيس على مدى عشرين عاماً شيئاً يستحق النقد.

من يريد دولةً انتقادُ شخصِ رئيسها أو قولِه أو فعلِه جريمةٌ لا تغتفر، تهون دونها كلّ العقوبات والحدود التي سنتها الشرائع السماوية؟ بينما يهدِّدُ مجوسيٌ خليفةَ المسلمين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - بالقتل بعبارة مبطَّنة فلا يزيد على أن يقول "تهددني الوغد" ويتركه حراً طليقاً ! وتعترض على رأيه في المهر امرأة من سواد المسلمين فيرجع عن رأيه ويقول أخطأ عمر وأصابت امرأة!

ما نريده غائب، وما لا نريده قائم، ولهذا قامت الثورة. ولن تقعد – بإذن الله – حتى يكون ما نريد، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
 
______________________________
* وقد أعرضت صفحاً هنا عن المظاهِر الشاذّة من تأليه الرئيس، والسجود له، والعبودية لإصبع قدمه الأصغر!
** ( عبارةٌ زُيِّن بها الجدار في مطار دمشق بجوار صورة حافظ الأسد، ولا أدرى إن كانت لا تزال في مكانها، فقد بَعُد العهد بمطار دمشق).
 

المقالات المنشورة هي لأعضاء الهيئة، وتعبر عن آراء كاتبيها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الهيئة